ضمن سلسلة دروس إعلامية طرحتها مؤسسة BBC وسأقوم بنشر أهمها هنا بشكل متسلسل
الدرس الخامس || عناصر التقارير التلفزيونية ..!
اعداد تقرير تلفزيوني يتطلب عدة عناصر أهمها: تحديد
الموضوع قبل البدء به والسؤال بصراحة و البناء، أي هيكل التقرير و الترتيب الزمني
والبداية والجملة الأساسية والجو العام الصحفي.
رواية القصة تمثل العنصر الأول من العناصر الأساسية
للتقرير التلفزيوني، وتشمل ما يأتي:
تحديد الموضوع قبل البدء به والسؤال بصراحة: ما الموضوع؟ ما القصة؟ فمن غير المنطقي اختيار أكثر من
موضوع داخل التقرير الواحد. فتقرير عن الانفجارات التي شهدها العراق في يوم واحد
لا يمكن أن يتناول كذلك مشاورات بين الزعماء السياسيين للتمهيد للمؤتمر الوطني.
فعليك أن تكون واضحاً ومحدَّداً في اختيار الموضوع.
بالطبع يجب التشاور مع رئيسك المباشر، أو مع رئيس تحرير
النشرة. لكن كن واثقاً من أنه بإمكانك أوَّلا إقناع المشاهد بالتقرير أكثر إن
تناولت موضوعاً محدداً. وبإمكانك الربط بين عدد من العناصر الخبرية إن حدثت مجموعة
من الانفجارات في دولة ما لا تربطها أي علاقة، لكن موضوع التقرير في هذه الحالة لن
يكون الانفجارات، بل سيكون الوضع الأمني. في كل الأحوال، عليك أن تسعى جاهداً
لضمان وحدة مترابطة للموضوع كي يتسنَّى للمشاهد فهم ما يجري.
هناك أيضاً العناصر الخبرية التي يتضمنها الموضوع. فكل
موضوع يتضمن عدداً كبيراً من العناصر الخبرية، والتي قد تتوافر لبعضها الصور، وقد
لاتتوافر للبعض الآخر. عليك أن تكون حاسماً في استبعاد العناصر الثانوية وتلك التي
قد تزيد الموضوع تعقيداً. فمن السهل هنا استبعاد العناصر الخبرية والفيلمية قبل
الخوض في كتابة التقرير. فتعدد العناصر يشتت المشاهد ولا يزيد من قيمة التقرير،
على عكس ما يعتقد البعض. وأسوأ التقارير هو ذلك الذي يحتاج إلى أن تشاهده مرتين
لكي تفهمه بشكل كامل.
البناء، أي هيكل التقرير: إن تخيَّلت نفسك جالساً في غرفة تروي قصة لجمع من
الحاضرين، فربَّما يكون بإمكانك في هذه الحالة أن تتابع مدى استيعابهم لما تقول. و
قد تعتمد في طريقة سرد ما تبقَّى من القصَّة على آراء الناس والانتقادات التي قد
يوجهونها إليك. وفي عالم الصحافة التلفزيونية، لايمكنك فعل ذلك، فعليك أن تجد
طريقة منظَّمة لرواية القصة.
والبناء الأسهل للتقرير التلفزيوني قد يكون ذلك المعتمد
على التسلسل الزمني. لكن الكثير من الموضوعات الخبرية معقد، ولا يمكنك الاستناد في
رواية معظم تلك الموضوعات على التسلسل الزمني. من هنا، عليك أن تربط بين كل مجموعة
من أجزاء التقرير بشكل منطقي. ومن السهل تقسيم التقرير إلى أجزاء مبنية على
العناصر الخبرية وعلى المادة الفيلمية المتعلقة بها. بعد ذلك، قم بمحاولة الربط
المنطقي بين هذه الأجزاء بحيث تبدو وكأنها ممسكة بأيدي بعضها البعض. يمكنك استخدام
منطق اللغة وكلمات وعبارات من قبيل: "من ثم" و "بالتالي"،
و"غير أنَّ" و"على الرغم من ذلك"، و"بالقرب من هذا
المكان"، و"على بعد كيلومترات عدة من..."، و"على بعد ساعات
من..."، و"من أجل ذلك"، و"هنا يكمن السبب وراء..."،
و"بعد ساعات من..."، و"بعد مرور عام تقريباً على"."
الصورة: حاول أن تبدأ كل جزء بصور ذات صلة بتلك
التي اختتمت بها الجزء السابق.
الترتيب الزمني: عادة ما يُقال يجب أن تبدأ التقارير التلفزيونية بالصور
الحديثة أو بتلك الأكثر تأثيراً. لكن حقيقة الأمر ليست هذه أو تلك قاعدة ملزمة.
ففي كثير من الأحيان قد تبدأ تقريرك بلقطات ليست الأحدث ولا الأكثر تأثيراً، لكنها
الأقرب إلى البناء المنطقي لموضوعك الذي أنت مقدم عليه. فالزمن خاص جداً بالتقرير.
والتقرير الجيد هو الأقرب إلى الفيلم السينمائي الذي يختصر زمنياً مراحل معينة
ويستطرد في مراحل أخرى. والهدف هو الحبكة الدرامية الإنسانية. ومن المشكلات
الشائعة عند بناء النص أن تتم إثارة فضول المشاهد في اتجاه معين من دون الإجابة
على التساؤل اللاحق. فالأمر مثل المسلسلات الدرامية السيئة التي أحياناً ما تدفع
بالمشاهد إلى أن يتساءل: "ثم ماذا جرى لفلان؟ لماذا لم يتمكن من العودة إلى
بيته؟".
أحياناً يرتكب التقرير التلفزيوني الخطأ نفسه، فيعرض
معلومة ناقصة ضمن البناء الدرامي. عليك أن تعي ما الأسئلة المنطقية التي قد تدور
في ذهن المشاهد وتستخدمها لزيادة جرعة التماسك الهيكلي عن طريق حسن اختيار موقع
الإجابة عليها ضمن بناء التقرير. مثال تقرير "المتمردون التائبون" في
دارفور: "ما موقف أهالي الضحايا؟ أين سيعيش التائبون؟ و ما الوظائف التي
سيشتغلون بها؟".
كتابة النص: كتابة النص هي أكثر عناصر التقرير قرباً
من نفس الصحفي. لذلك، عليك الحرص على التوازن بين طغيان ذلك الجانب النفسي و بين
فقدانه.
البداية: امضِ الكثير من الوقت وابذل جهد كبيرا في اختيار الجملة
الاستهلالية، لأن لها تأثيراً كبيراً على المشاهد، كما أنها تساعدك كثيراً على
المضي قدماً فيما تبقى من النص. فبالنسبة إلى المشاهد تمثل الجملة الافتتاحية أول
علاقة له بالتقرير، ومن المهم أن تقنعه بأهمية الحدث وجدية الموضوع بشكل أقرب إلى
اهتماماته. احرص في الجملة الافتتاحية على الجوانب الإنسانية وكذلك احرص على الربط
بين الجملة الافتتاحية والمعنى الرئيسي المطلوب من التقرير. بعض الصحافيين المهرة
يتمكن من استخدام الجملة الافتتاحية لحل أزمة نقص الصور، وليدخل مباشرة في صلب الموضوع.
الجملة الأساسية: يقصد بها الجملة التي قد تثير مفاجأة في التقرير، أو
تشكِّل تحوُّلاً في السياق. وتساعد هذه الجمل على إكمال البناء الهيكلي للتقرير
وتمثِّل قمَّة الصعود الدرامي. كما أنها تعيد الانتباه لبعض المشاهدين، بينما تبقى
عالقة في أذهان كثيرين آخرين. وفي السينما يُشار إلى ذلك بالمشهد الرئيس أو(The
Master Scene).
الجو العام الصحفي: التقرير الصحفي الجيِّد هو الذي يتمكن من نقل الجو العام إلى
المشاهدين إلى الدرجة التي قد تجعلهم يتذوقون الطعم نفسه ويستنشقون الرائحة نفسها،
بل و يشعرون بالرهبة نفسها.
أتمنى الفائدة لي ولكم ، على أمل المتابعة معكم في نقل دروس أخرى ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق