-----------------------------------------------------------------------
هذا جزء من سلسلة دروس إعلامية طرحتها مؤسسة BBC وسأقوم بنشر أهمها هنا بشكل متسلسل ..
الدرس الاول || طبيعة التقارير التلفزيونية ..!
تعاني الصحافة التلفزيونية، بصفة عامة، من ظاهرة تدني
درجة الانتباه والاهتمام بشكل كبير لدى المشاهدين. ففي المتوسط لا يمكن أن تحافظ
على انتباه مشاهد أمريكي، مثلا، أكثر من أربعين ثانية.
ربما يكون المشاهد العربي أكثر صبراً، لكن التنافس
الشديد بين الفضائيات العربية من جهة، وبينها وبين التلفزيونات الرسمية من جهة
أخرى، يجعل من الصعب تخيُّل بقاء مشاهد عربي مشدوداً أمام نشرة إخبارية واحدة.
عليك إذأً أن تهدف إلى إبقاء ذلك
المشاهد أمام شاشتك لأطول فترة ممكنة. و لن يتحقق ذلك إلا بالعمل على تقديم أكبر
كمِّ ممكن من المعلومات الدقيقة والجديدة في قالب جذاب وبسيط يفهمه المشاهد.
ويعطي قالب التقرير التلفزيوني فرصة كبيرة للصحفيين
التلفزيونيين لإنجاز عمل متكامل يمكن أن يحظى باهتمام أكبر قطاع من المشاهدين.
مقدمة التقرير (INTRO/
or / CUE)
من طبيعة الاسم، المقدمة "تقدم" التقرير، أي
إنها تبرر للمشاهد أسباب وجود التقرير، وتقوم بالترويج له وبجذب المشاهد للبقاء
أمام الشاشة لمتابعته، وببساطة لأنه يتوقع المزيد من الإثارة من مشاهدته.
تسوّق المقدمة إذا، والتي يقرأها المذيع قبل بداية
التقرير التليفزيوني،التقرير نفسه، كما يقوم الإعلان بالتسويق للبضائع. و بالتالي،
فإن أسوأ المقدمات هي تلك التي تسرد النقاط الأساسية في التقرير
و"تحرقه" قبل أن يبدأ. كما أن العكس تماماً لا يجعل من المقدمة أفضل حالاً،
فالمقدمة متينة الصلة بالتقرير تجعل المشاهد يحاول أن يربط بينها وبين الموضوع
ويستغرق ذلك عادة العشر ثوان الأولى من التقرير، وبالتالي أنت تغامر بفقدان انتباه
المشاهد خلال بداية التقرير لأنه منشغل بالربط المنطقي بين المقدمة وبين التقرير،
هذا إن واصل البقاء أمام الشاشة أصلاً.
ولأنها "تبرر" التقرير، فيجب أن تحتوي المقدمة
على معلومة أساسية لها علاقة بالخبر. أي أنها تجيب عن السؤال الأول لدى أي مشاهد،
أي سؤال: "لماذا هذا الموضوع جدير بالاهتمام؟"، وباختصار يجب أن تحافظ
المقدمة على عدد من المعايير ومنها.
- أن تكون إخبارية؛ أي تحتوي على معلومة تبرر
الموضوع.
- أن تكون مبتكرة؛ أي أن تقدم المعلومة بصورة
جديدة مختلفة عن الخبر العادي لأنها تمهد لتقرير من المفترض أن يقدم المزيد.
- أن ترتبط بالتقرير، و لا سيما بالجزء الأول منه، لكنها
يجب أن تتجنَّب تكرار ما سيرد في الجزء الأول (وهو الخطأ الشائع في التلفزيونات
العربية).
- ألاَّ يكتفي المشاهد بالاستماع إليها، بمعنى ألاَّ
تغني عن التقرير.
- ألاَّ تزيد مدتها عن 25 ثانية بأي حال (يحتاج ذلك
الأمر منك إلى الكثير من المهارة أثناء الصياغة).
- أن تتضمن القليل من الغموض الإيجابي، بمعنى أن
تثير فضول المشاهد للبقاء بأن تجعله يوقن بأن التقرير يحتوي على الكثير من
الإجابات عن الأسئلة التي لا تزال تدور في ذهنه.
- أن يتم تطويرها وإعادة صياغتها باستمرار إن كنت
تعمل في قناة إخبارية تبث على مدار الساعة، فليس هناك أسوأ من المقدمة المكررة،
حتى لو كُتبت بعناية، وربما تجدر الإشارة هنا إلى سبب آخر أساسي للتطوير هو تلاحق
و تسارع الأخبار، بحيث أصبح من الصعب بقاء المقدِّمة الإخبارية صالحة لمدة طويلة،
خاصَّة في حالة الموضوعات الخبرية الساخنة.
إعداد التقرير
عندما سُئل الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون عن
المدة التي يحتاجها لإعداد خطاباته، أجاب: "الأمر يعتمد على مدة الخطاب... إن
كان عشر دقائق، أحتاج أسبوعاً، وإن كان خمسة عشرة دقيقة، قد
يحتاج إلى ثلاثة ايام، وإن كان لنصف الساعة، يتطلب الأمر يومين من
الإعداد... أما إن كان الخطاب مدته ساعة، فأنا مستعد الآن!"
ربَّما يجد الرؤساء مشكلة حقيقة في التعبير عن أفكارهم
في المدة المُفترضة للتقرير التلفزيوني، والتي يجب ألاَّ تزيد عن ثلاث دقائق.
ويعكس ذلك حقيقة أنه كلما احتاجت الفكرة للتوضيح في دقائق معدودة، كلما احتاجت
لمزيد من الجهد لإعدادها بصورة مرضية، وبالطبع كلما ازدادت عملية الإعداد صعوبة
وتعقيداً. وهنا يكمن التحدي الذي تواجهه عملية إعداد التقرير التلفزيوني: أي كيف
يمكنك أن تروي موضوعات معقدة لجمهور لا تعرفه ولا تراه، وبصورة تجعله مندمجاً
ومنفعلاً معك في مدة قصيرة جداً لا تتعدى الدقائق الثلاث.
لكن، لا تتشائم، فمكونات العمل التلفزيوني، من صوت وصورة
وكلمات، إضافة إلى الوجود الميداني في موقع الحدث، وكلها تقدم أدوات كافية، إن
أحسنت استغلالها، لتحقيق تلك الغاية.
أتمنى الفائدة لي ولكم ، على أمل المتابعة معكم في نقل دروس أخرى ...